حين لحن القلب جرحه: الحكاية التي أنجبت أغنية “الحب اللي كان”

رواها 360:

في لحظةٍ ما من زمنٍ مضى، كان الحب نفسه يرتّب نغماته في وجع، وكانت الروح تُدون خيبتها على أوتار العود. من هذا الرماد العاطفي، وُلدت واحدة من أكثر الأغنيات شجنا في تاريخ الموسيقى العربية: “الحب اللي كان” تلك التي تفجرت من وجدان بليغ حمدي، لا كعمل فني فحسب، بل كنبضٍ حيّ، كصرخة حب.

يروي مقربون لبليغ حمدي أن هذه الأغنية، التي أدتها ميادة الحناوي بصوتها المشبع بالشجن، ولحّنها بليغ حمدي بأصابعه المرتعشة من الحنين، لم تولد في استوديو، بل خرجت من صمت الوحدة، من ذلك الفراغ الثقيل الذي يتركه الحب حين يرحل دون أن يقول وداعًا.

مقالات ذات صلة

بحسب ما يُروى، فإن بليغ –بعد انفصاله عن وردة التي أحبها بصدق عميق– عاش أيامًا مثقلةً بالضياع. كان يجلس مع الآخرين بجسدٍ غائب، ثم يغادر فجأة كأن الحضور بات عبئًا عليه. وفي إحدى الليالي، شوهد وهو يعزف على عوده كلماتٍ لم تُكتب بعد، كانت تنساب منه كما تنساب الذكرى الحارقة في حضرة من لا ينسى.

بدأ يدندن بكلماتٍ من عمق قلبه، بلا لحنٍ واضح، بلا ورقة، فقط نزيف عاطفي يتشكّل شيئًا فشيئًا. أحد مرافقيه  دون تلك الكلمات على عجل، آخر حفظ المقام الموسيقي، والبقية لزموا الصمت، كأنهم في حضرة لحظة مقدسة.

وفي صباح اليوم التالي، لم يتذكّر بليغ شيئًا مما قاله. أعادوا إليه الكلمات، وذكّروه بالنغمة، فعاد إلى غرفته، وأغلق الباب ساعات، ثم خرج ومعه لحن مكتمل… خرج حاملاً تلك الأغنية التي أصبحت بعد أيام، نشيدًا عربيًا للقلوب التي أحبت وخسرت.

حين غنّاها، بكى من سمعه. لم يكن البكاء على لحن، بل على كل ما لم يُقال في علاقات انتهت وبقيت تعيش فينا. كانت كلمات الأغنية تقول:

“كان يا ما كان

الحب مالي بيتنا ومدفّينا الحنان

زارنا الزمان

سرق منّا فرحتنا، والراحة والأمان…”

في الأغنية، كان بليغ يقول كل ما لم يقدر على قوله. وكانت الموسيقى تعتذر بالنيابة عنّا جميعًا، عن حبٍ لم نستطع أن نحفظه، ولا أن ننساه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى